الاثنين، 12 مارس 2012

ابعاد القضية السورية


من الغباء بما كان أن يفشل الإنسان في أمر ثم يعيد المحاولة مستعملا ذات الوسيلة منتظرا نتيجة مختلفة في كل مرة .
فهذا ضرب من  الحمق  يستمكن بصاحبه حتى يأتي بآخرته. وهذا داء  أصاب حكام العرب الذين طغوا
 في الأرض  وتجبروا  و لا أبالغ لو قلت حتى إرتدوا،فعدد من الحكومات مرتد عن الإسلام يقينا، لا يتدخر  وسعا في مقاومة 
أي تحرك شعبي أو أي مد فكري إسلامي كان أو يساري....
هم الرعاة  ونحن الأغنام، لا نتحرك إلا بأمرهم  وليس لنا الحق في تقرير مصيرنا و متى شاء الراعي ذبح أحدنا إختار وقطع رأسه،
ولو لاحظ أن خروفا تمرد على القطيع  ولم يلتزم به، كلف كلابه بأمره  فلا ينتهون منه إلا برده إلى موقعه بين الخرفان ونيل موالاته
أو بقتله تجنبا لنار الفتنة كما يزعمون.

على أن هذا الواقع قد  تغير  مذ اشعلت تونس  فتيل الثورات العربية أين أعاد الشعب التونسي الإنسانية للإنسان،  وجرده  من صفة الحيوان،
أين أعيدت صياغة مفاهيم الحرية وحق الحياة من جديد .
الحمد لله الذي أراد لثورتنا أن تكون سلمية فثلاث مائة  قتيل في تونس ليسوا  إلا إبرة  في كومة قش  بين الآف القتلى في أقطار أخرى.
ولعلها مكافئة الاهية لهذا الشعب السباق على سبقه.

هؤلاء الحكام حولتهم ضراوة الطباع البشرية السافلة إلى عبيد لذواتهم ففهموا الحكم على نحو آخر، انهم لم يفهموه أمانة ثقيلة العبء  
بل فهموه مغنما لذيذ الطعم، طبقا مليء ذهبا  متى شاؤوا  اغترفوا  منه بلا رقيب ولا مسألة .
***
ثورات  عدة  قامت في بعض الأقطار العربية وصلت أغلبها إلى نقطة  تحول فيها الثائر من محارب في الميدان ضد الطغيان، إلى موجه ومراقب 
لخط سير الحكومات المنتخبة في تحقيق أهداف ثورته .
وإنتهى الأمر  بحكامها في الفصل الأخير إما بالهلاك أو بالسجن مدى الحياة، في فصل لو أردت عنونته  لقلت " أهل البلى رقدوا" و
الحمد لله لا صبر ولا جلد ** ولا عزاء إذ أهل البلا رقدوا
خليفة مات، لم يحزن له أحد **و آخر قام لم يفرح به أحد

ومن المضحكات المبكيات أن هلاك هؤلاء جاء بذات الطريقة، انهم لم يعتبروا بما حصل لمن سبقهم  في الأقطار الأخرى، بل يتشبثون 
بالسير  على  خطاهم -التي انتهت بهلاكهم- في السيطر على الأوضاع منتظرين أن ينالوا نتيجة مختلفة. وهذه بلاهة وخفة عقل
ولو أن خفة عقلهم في رجلهم  سبقوا الغزال ولم يفتهم الأرنب .
***

آخر هؤلاء الحمقى بشار الأسد رئيس دولة سوريا بالوراثة عن أبيه حافظ  الأسد.إننا لو تأملنا في سيرة بشار لما استغربنا أفعاله بالشعب السوري.
فهو من يوم مولده يعيش في حضن  طبقة  حاكمة يرأسها والده،  وأسرة  مالكة نفوذها يمتد على أغلب البلاد .
فمن الطبيعي أن  ينشأ  وفي اعتقاده أن سوريا ملك له وليس  لأحد غيره الحق في حكمها. 
 ومن هذا المنطلق يرى أن كل تحرك ضده  هو محاولة لسلبه حقه وملكه، فيذود عنه  بيد من حديد .
***
 الطرقات الشعبية في سوريا هي حديث الساعة،وأساليب القمع التي تتصدى بها السلطة لهذه التحركات كانت سببا لنيل الثوار تعاطف
ودعم المجتمع الدولي إلا عددا قليل من الدول  المساندة للسلطة الحاكمة.
والحديث عن هؤلاء الداعمين لبشار الأسد الذين رفعوا الفيتو  ضد  التدخل العسكري في سوريا  يجرنا للحديث عن الحرب الباردة،حرب أغلب الظن 
أنها انطلقت في الستينات وانتهت مطلع التسعينات مع حل الإتحاد السوفياتي وتفككه وهذا حديث يؤرخه التاريخ .
لكن  الاحداث  اليوم تكذب التاريخ وتؤكد أن هذه الحرب مازالت مستمرة ومازالت تلقي بظلالها على العالم . 
فالقوى الدولية اليوم قسمين الأول يقف في  صف الولايات المتحدة الأمريكية والثاني في صف روسيا.ولا أحدى يقف في صف الشعب السوري .
والراجح أن هذه الحرب الباردة هي تمهيد لحرب أخرى  أكثر سخونة ستكون الشعوب هي ضحيتها الأولى مما لا شك فيه ، شعوب لم  تختر  المواجهة
بل تفرض عليها وتستخدم كوسيلة بيد الساسة.
فهذا العالم يعمره مليارات البشر ويقوده مئات الأشخاص  يتحكمون في مصير الشعوب. شعوب يحتال عليها بالإعلام وبالخطابات الحماسية المحركة لوطنية 
خطابات توهمهم بخطر يهدد أمنهم فلا يملكون إلا التصديق ويفرون أفواجا لتصدي لخطر وهمي لا وجود له   و هي ليست إلا  تصفية   حسابات بين الساسة فيضربون بعضهم
بعضا بالشعوب .


الشعب السوري اليوم هو ضحية لهذه الحرب فالفيتو المرفوع من روسيا والصين أسقط قرار مجلس الأمن بالتدخل العسكري وزاد في عدد وفايات الشعب السوري 
-ولي هنا تحفض حول النظام المعتمد في التصويت  فرفع فيتو واحد يسقط القرار ولو كان الأربعة البقية موافقون وهذا ضحك على الذقون و فمن غير المعقول أن يغلب رأي واحد على الأغلبية-
الذي لا يزال إلى اليوم يعاني ويلات الجيش النظامي الذي تفنن في تقتيل الشعب  الذي من المفترض أنه حاميه .

لكن هل يعتبر التدخل الأجنبي حلا للأزمة ؟

هذا هو السؤال الأهم والذي يجب أن يطرح،ثم اننا لو اردنا النظر في التاريخ و الإعتبار منه لقلنا أنه لا يمثل حلا .
العراق لا  تزال  تعاني إلى اليوم ويلات ما خلفه التدخل الأمريكي  حتى  بعد  إنسحاب قواتها .
أفغانستان كذلك عاد بها التدخل الأمريكي إلى القرون الوسطى ويلزمها  مئات  السنين حتى تستدرك ما فاتها من حضارة .
والتاريخ يشهد أيضا أن القوة الغربية تضمر معاداتا كبيرة  للشرق  والحركات الإستعمارية في بدايات القرن الماضي  خير دليل 
حيث أن السياسة الغربية تقوم على مبدء فرق تسد وهي إلى اليوم ذاهبة في هذا النهج إلى أبعد حد فبعد تقسيم دولة الخلافة  إلى دول 
هاهي اليوم تستهدف الدول  وتسعى  إلى ضربها من الداخل وتقسيمها وفق ما تدين به .
الجانب الكردي اليوم في العراق يطالب بالإستقلال والحرب  دائرة هناك بين السنة والشيعة وكذا الأمر بالسودان التي انقسمت إلى جزء شمالي 
وآخر جنوبي. وهاهي ليبيا تواجه اليوم مخاطر التقسيم .
وكل ما نخشاه على سوريا من التدخل الأجنبي اليوم هو هذا التقسيم والعودة بها  العصور  الوسطى وإصابة أطرافها حتى إن بحثت مستقبلا عن القيام  لن تجد سبيلا إليه . 
***

لكن هل نؤثر حب الوطن والأرض على حق السوريين في الحياة ؟
إن ضل المجتمع الدولي يقف موقف المشاهد للأحداث،سيستمر نزيف الشعب السوري ويستمر تقتيل الأبرياء بغير حق .
وإننا لو نظرنا إلى القضية من منضور إنساني لأوجبنا على المجتمع الدولي التدخل ولو عسكريا حقنا لدماء السوريين و لوضع حد لإنتهاكات
الجيش النظامي . لكن هؤلاء الساسة يؤثرون المصلحة على الإنسانية فأي تدخل  لهم سيكون بدفع المصلحة  لا بدافع الإنسانية .

أين العرب من القضية السورية ؟ 

سؤال مطروح  بشدة  ! هل إكتفى العرب بطرد السفراء وقطع طرق الإتصال مع النظام الأسدي ؟ مالفائدة التي جناها شعب سورية من هذا القرار !
حقيقتا لا فائدة ترجى  منهم  كعادتهم لم يخرجوا من دائرة التنديد وبشدة، قصارهم عقد إجتماع  لوزراء الخارجية تدعو له الجامعة العربية  لا ينتهي إلى شيء من القرارات.
ماذا لو تحدثنا عن تدخل عسكري عربي  في سوريا أليس هذا حلا  جذريا   يوقف  نزيف دماء الشعب ويبعث الطمأنينة  في قلوبنا على مستقبل سورية .
أو أن جنود العرب لا تجتمع إلا لقمع ثورات الخليج وحراسة العرش الملكي .

عموما  لا يزال الكلام في جعبتي  لكن حديثي عن العرب بعث في نفسي نوعا من العجز واليأس  حتى عن مواصلة الكتابة . اتمنى الفرج القريب لشعب سوريا 
ولحرائرها  وأسأل  الله أن يعجل بفرجه  .
والسلام 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق