الأربعاء، 18 مايو 2011

الديمقراطية

 (الديمقراطية) ~ ذلك المُصطلح الذي أثارَ من الجَدل و الصرَاع منذ فَجر النهضة مَا لم يثره مصطَلح آخر.. حَتى غدَت ثُنائية الديمقراطية و الإسلام أكثر الثنائيات تداولاً, و أكثرها طرحًا كَمَواضيع للنقاش حتى استحال عَلينا تجَاهلها أو تناسيها { لذلك ستكون مَوضوعنا للحوار}.
لقَد تَعَددت الآراء و اختلَفت, وتشَبثَ كُل طَرف برأيه و مُسلماته مُدعيًََا  امتلاك الحَقيقة...ورَاحَ كل فِريق فرحًا بما عنده,رافِضا للآخر سَاعيا لإسكاته أو نفي كَلامه .
       فما جدوى الحوار إذا ؟!                                                                                                                 
لست هنا لأدَعِي أيضا امتلاك الحقيقة أو احتكارها, فقط أردت طرح رأي شخصي لا أُلِزم به أحَدا و لا أدعي صَوابه فاتحًا بَابَ الحِوار و النِقاش لِمن أَراد. حِوار خالٍِ من السَفسَطة و التعصب للرأي و تجهيل الآخر.
متي سيكف الإسلامي عن التملق للآخر و التنكر لِتُراثه, هل سينتهي من تقليده الأعمى و يمسَح عن  وجهه نظرَة الانبهارِِِِِ بالغرب تلك,كيفَ يتحرَرُ من تبعيته الفكرية للغرب و يَبتَدِعَ أفكارًا يَكونُ مَرجِعُها الإسلام لا مَاركس و لينين و غيرهم ممن ذاع صيتهم بالعالم الإسلامي.
إن الإسلام دين حَي يُحَاول المُتمَسِكُونَ به أن يَعِيشوه في حَياتِهم العَامة ثقافة ونظمًا ومؤسَسَات, يَعيشوه في حَياتِهم الفكرية دعوة إليه و دِفَاعًا عَنه و ردًا على خصومه, لذلك حَاولتُ جاهدًا أن أشاِرك في المجال الأخير بعدة مقالات قصيرة نشرتها سَابقا و لا أعلَم إن كنت أصَبت فيها.
 أتوجه بالشكر للعَدد من القراء (وهم قلة) ممن عبروا لي عن تقديرهم و شجَعوني على المضي قدما في كتابتها و أخص بالذكر أمي سعيدة و أماني , أنا شاكر لهم في الأولى و الآخرة سائلا الله أن يجزيهم عني خيرا و عن كل من قرأ تلك المقالات أومن سيقرؤها.
أجتهد و أكتب هذا المقال بعقل مسلم يأبَى أن يكون للإسلام بديل و مؤمن بأن كل ما أمَر به الإسلام هو العدل الذي يصلح للناس  في كل مكان و زمان .
* * *
مُغالًطة: كُلَمَا ذُكِرَ مُصطَلَحُ الدِيمُقراطية إلا و تَبَادرَ إلى الأذهَان المَفهُوم السَائِد والذي يَتبَادله الناس على أنه صَوابٌ لا يحتمل الخطأ,  تعبير الديمقراطية مُرادِف لِحُكم الشعب وهذا (في نظري) خَطأ لا يَحتمِلُ الصَوَاب,
مَتى كَانَ الشعبُ حَاكِمًا !
من سُننِ الحَياة أن يَكُونَ هُناكَ رَاع و رَعية, رَاع تَتَوفرُ فيه الشروط و الخِصَال التي تُمَكنه مِن أن يُديرَ شُؤونَ رَعيته و يَحمِي مَصَالِحَهَا, هذا قانون سنَّهُ خالِقُ هذا الكَون تَسِير بمُوجبه الحَيَاة و تُصَان المَصَالِح, سَارِ المَفعُول على الإنسَان والحَيوان على حَد السَواء. مَملكَة الغَاب ذلك العَالم العَجيب الذي تُحَركُه الغرَائز يَسِير بنفسِ القانون فعَلَى رَأسِ كُل زُمرَةِ أُسُودٍ قَاِئد وعلى رَأسِ كُل قطيع جَوا ميس قائد َو لا مكان للسلطة مدى الحياة حيث البقاء للأقوى و القوة هي خصلة كل  قائد. من رحمة الله على عباده أن منحهم القدرة على اختيار الأصلح من بينهم و توليته أمورهم دون أن يراق دم و دون صراعات كالتي يشهدها عالم الغاب .
من الغَرِيب حَقًا أن يَنسَاقَ النَاسُ خَلفَ الديمُقرَاطية المُنادِية بحُكمِ الشعب ويُعَارِضوا السِيَاسَة الإلهية التي لا يَستَغني عَنها لا الرَاعِي وَ لا الرَعِية وَالتي تَرَكَت لَنَا حُرية اختيار وَلِّي أمرِنا و مُشاورَته و حتى مُعَارَضته مَتى زَلت قَدَمَاه عَن الطَرِيق الصَواب.
إنه لَمِنَ المُؤسِفِ أَن تَكُونَ كَلِمَةُ الدِيمُقرَاطية المُرَادِفة لِسِيادَة الشَعب أو حُكمِ الشعب غَايَة فِي الخطورَة. فَكُل فَردٍِ من  الشعب يَعلَمُ عِلمَ اليقين أنَهُ لا يَحكُم, ويَتَولَدُ بذلك لَدَيه انطِبَاع بأن الديمُقرَاطية لَيسَت إلا نِظامًا للاحتيال. واِنَه لَأمر هَام أن يَتَعَلَمَ الفَردُ مُنذُ مَرَاحِل تَكوينه الأولى أن لَفظ “ديمقراطية” هو الكَلِمَة التي نُطلِقُهَا على النِظَام الذي يَنبَغِي عَلَيه مَنعُ الدِيكتاتورية والاستبداد.
* * *
الدِيكتُاتُورِيَة و الاستِبدَاد  هُمَا أَسوَءُ مَا يُمكِنُ أَن يَعيشهُ الفَرد,تَحتَ لِوَائِهِمَا تَختَفِي الحُرِيَات  و تََتبخر إرَادَة الفرد و الشعوب و يُهَانُ المُوَاطِن و تدَاسُ كَرَامَتهُ و تُصبِحُ كَلِمة “ لا ” من المَحظورَات.
يَنهَضُ الفِرعَونُ من تَابُوتِه و يَجلِسُ على هَرَمِ السُلطَة و يَنطلِق العَمَل بالأسلوب الإداِري الفِرعَونِي “ لا أُرِيكم إلا مَا أرَى و مَا أَهدِيكم إلا سَبيل الرَشادِ ”  حَيث لا يَتحَرَك الشعبُ إلا وِفقَ رُؤيته ومَا صَواب إلا مَا  يَرَاه هو صَواب, نَمَط مُتسَلِط يتَصِفُ بالغطرَسَة والغرور والكِبريَاء وَيل للشعوب منه .
كَانت الديكتاتورية مُشكِلة البَشرِية مُنذ الأزل (و لا تزال) و تَجَنبهَا هَدَف لم نَطَله إلى اليوم, و كَانت الديمقرَاطية حلاًّ مِن الحُلول التي طُرِحَت كي تَعيد للشعوب هيبتها لكن هل نَجَحَت فِي ذلك “ ؟ ” ذلك هو السؤال الأهم .
يمكننا أن نَثبت تارِيخيًا أن الديمقراطية لم تكن تمثل سِيَادَة الشعُوب وحُكمَهَا بقدر مَا كانَت مُحَاوَلة لِتجَنب الديكتاتورية و الاستبداد بأي ثمن.لكن ثمَنَهَا كَانَ غاليًا جدًا, إذ في العَدِيد من المُناسَبَات صَنعَت لَنَا الديمقراطية فرَاعِنة حَكَمُوا العالم و أذاقوا الشعوب سنين من الجَمر.

هل في ترك الحُرية للشعب في اختيار الحَاكِم ضَمَانٌٌ لِتَجَنب الاستبداد ؟

إننا معرضون للخطأ, و هذا يعني أن الشعب أيضا معرض لارتكاب الأخطاء شأنه شأن أي جماعة بشرية.لكن إن كنا نبحث فقط عن كيفية خلع أو عزل أي حاكم مستبد لن أجد طريقة أفضل من الديمقراطية لذلك, لكن إن كنا نبحث عن كيفية بناء دولة و إقامة نظام عادل يكفل لكل فرد حقوقه فلن أجد أفضل من الإسلام لذلك.
* * *
ما يمكن أن نرجوه من الديمقراطية في أقصى الحالات هو تمكين الشعوب من عزل أو خلع الحاكم متى رأت منه سوءا باعتبارها آلية لضمان انتقال السلطة و التداول عليها دون إراقة للدماء, لكن مسألة تجنيبنا الاستبداد و الدكتاتورية تظل مسألة نسبية, أدولف هتلر ديكتاتور غير خريطة العالم و أباد شعوبا وصل للحكم بانتخابات ديمقراطية و بطريقة شرعية, بالتالي يصبح الجزم بعصمة الشعوب وهمًا لا أساس له  فرأي الأغلبية ليس دائما بالرأي المستنير.

هل ~ صواب الحكم ~ هو دائما في جانب الأغلبية ؟

دائما ما نتشدق بالمقولة الشهيرة نحن مع الأغلبية و نستشهد بأن رأيهم هو الصواب أو الأصوب, لكن هذا ليس بمعيار لتقرير الصواب من الخطأ فالله سبحانه و تعالى قال :
~ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينََ.سورة يوسف

و قال سبحانه و تعالى: 
 ~ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ.سورة المائدة

و أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم في حديث السواد قال : ~ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ.رواه مسلم ~ .

في الحديث نرى أن الأكثرية لطالما خالفت الحق وعادت الأنبياء فيأتي الأنبياء يوم القيامة و معهم رجل أو رجلان و البقية ضالة.الكثرة ليست معيارا فقول الأغلبية لا يعني بالضرورة أنه الحق  لكن إن كانت هذه الأغلبية على قدر من الحكمة التي تمكنها من التمييز بين الخطأ و الصواب فعندها بمكن الوقوف على رأيهم, أي متى كانت هذه الأكثرية تتميز بصفات مشتركة تؤهلها للرأي كما نجد في كتب الفقه قولهم " و هذا رأي أغلب الفقهاء "  فهؤلاء اعتبرنا رأيهم لأنهم فقهاء أولا وأغلبية ثانيا ....لا أغلبية فقط .
* * *
المحكمة الشعبية: هو التعريف الأصح للديمقراطية فيوم يتجه الناس إلى صناديق الاقتراع تفتح جلسة محاكمة الحكومة, فيوم الاقتراع أو الانتخاب ليس يوما لتزكية الحكومة الجديدة بقدر ما هو يوم لتقييم أداء القديمة و اختيار إما المواصلة معها أو عزلها.
أما حكم الشعب لنفسه فهو أمر غير وارد فكما قلت فيما سبق أن كل فرد منا يعلم أنه لا يحكم ثم إن الحكم ينقسم إلى قسمان أحدهما تنفيذي و آخر تشريعي فبأيهما يحكم الشعب « ؟ « هل من الممكن أن يحتل الشعب منصب قائد للجيش أو أمين شرطة أو مشرع... 

إذا من الذي ينبغي أن يتولى مهام الحكم ؟

هذا هو السؤال الأساسي أما الحديث عن حكم الشعب لذاته فهو مضيعة للوقت, و كإجابة على هذا السؤال أرى أن يكون أفضل غيره و أكثرهم معرفة فلمؤهلات البشر تختلف من شخص لآخر فهل يستوي العالم و الجاهل ! 

قال تعالى : ~ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ~ .

إن الحكم استحقاق يناله الأفضل و يستعمل له الأصلح  و نختار له الأمثل فالأمثل  .

* * *
في أيامنا هذه لازال سؤال " من الذي ينبغي أن يتولى مهام الحكم " حاضرا بقوة.فقد حظي باهتمام كبير داخل مجتمعنا   خوفا من صعود دكتاتور جديد و إقامة دولة الديكتاتورية و هذا سؤال يحظى أيضا باهتمام كبير داخل نظرية الديمقراطية,و قد شكل مبدأ حكم الشعب لذاته جوابا ممكنا على هذا السؤال , و مع هذا تظل هذه الإجابة شديدة الخطورة فديكتاتورية الأغلبية أخطر من دكتاتورية الفرد و قد تكون فضيعة بالنسبة للأقلية حيث أنن رأي الأغلبية كما بينت فيما سبق لا يكون دائما الرأي الصواب...لذلك أرى من الصواب تبديل السؤال و إعادة صياغته على النحو التالي:

كيف نتصور تنظيما للدولة قائم على العدل و الحرية و يجنبنا الديكتاتورية ؟

فهذا سؤال يبحث كيفية إقامة حكومة لا كيفية عزلها و خلعها,فإن كنا نبحث فقط عن كيفية خلع أو عزل أي حاكم مستبد لن أجد طريقة أفضل من الديمقراطية لذلك لاعتبارها الأسوأ لا الأكثر سوء, لكن إن كنا نبحث عن كيفية بناء دولة و إقامة نظام عادل يكفل لكل فرد حقوقه فلن أجد أفضل من الإسلام لذلك.
* * *
ختاما سلام  عليكم  و إن شاء الله سأواصل في نفس الموضوع بمقال ثاني