الاثنين، 12 مارس 2012

ابعاد القضية السورية


من الغباء بما كان أن يفشل الإنسان في أمر ثم يعيد المحاولة مستعملا ذات الوسيلة منتظرا نتيجة مختلفة في كل مرة .
فهذا ضرب من  الحمق  يستمكن بصاحبه حتى يأتي بآخرته. وهذا داء  أصاب حكام العرب الذين طغوا
 في الأرض  وتجبروا  و لا أبالغ لو قلت حتى إرتدوا،فعدد من الحكومات مرتد عن الإسلام يقينا، لا يتدخر  وسعا في مقاومة 
أي تحرك شعبي أو أي مد فكري إسلامي كان أو يساري....
هم الرعاة  ونحن الأغنام، لا نتحرك إلا بأمرهم  وليس لنا الحق في تقرير مصيرنا و متى شاء الراعي ذبح أحدنا إختار وقطع رأسه،
ولو لاحظ أن خروفا تمرد على القطيع  ولم يلتزم به، كلف كلابه بأمره  فلا ينتهون منه إلا برده إلى موقعه بين الخرفان ونيل موالاته
أو بقتله تجنبا لنار الفتنة كما يزعمون.

على أن هذا الواقع قد  تغير  مذ اشعلت تونس  فتيل الثورات العربية أين أعاد الشعب التونسي الإنسانية للإنسان،  وجرده  من صفة الحيوان،
أين أعيدت صياغة مفاهيم الحرية وحق الحياة من جديد .
الحمد لله الذي أراد لثورتنا أن تكون سلمية فثلاث مائة  قتيل في تونس ليسوا  إلا إبرة  في كومة قش  بين الآف القتلى في أقطار أخرى.
ولعلها مكافئة الاهية لهذا الشعب السباق على سبقه.

هؤلاء الحكام حولتهم ضراوة الطباع البشرية السافلة إلى عبيد لذواتهم ففهموا الحكم على نحو آخر، انهم لم يفهموه أمانة ثقيلة العبء  
بل فهموه مغنما لذيذ الطعم، طبقا مليء ذهبا  متى شاؤوا  اغترفوا  منه بلا رقيب ولا مسألة .
***
ثورات  عدة  قامت في بعض الأقطار العربية وصلت أغلبها إلى نقطة  تحول فيها الثائر من محارب في الميدان ضد الطغيان، إلى موجه ومراقب 
لخط سير الحكومات المنتخبة في تحقيق أهداف ثورته .
وإنتهى الأمر  بحكامها في الفصل الأخير إما بالهلاك أو بالسجن مدى الحياة، في فصل لو أردت عنونته  لقلت " أهل البلى رقدوا" و
الحمد لله لا صبر ولا جلد ** ولا عزاء إذ أهل البلا رقدوا
خليفة مات، لم يحزن له أحد **و آخر قام لم يفرح به أحد

ومن المضحكات المبكيات أن هلاك هؤلاء جاء بذات الطريقة، انهم لم يعتبروا بما حصل لمن سبقهم  في الأقطار الأخرى، بل يتشبثون 
بالسير  على  خطاهم -التي انتهت بهلاكهم- في السيطر على الأوضاع منتظرين أن ينالوا نتيجة مختلفة. وهذه بلاهة وخفة عقل
ولو أن خفة عقلهم في رجلهم  سبقوا الغزال ولم يفتهم الأرنب .
***

آخر هؤلاء الحمقى بشار الأسد رئيس دولة سوريا بالوراثة عن أبيه حافظ  الأسد.إننا لو تأملنا في سيرة بشار لما استغربنا أفعاله بالشعب السوري.
فهو من يوم مولده يعيش في حضن  طبقة  حاكمة يرأسها والده،  وأسرة  مالكة نفوذها يمتد على أغلب البلاد .
فمن الطبيعي أن  ينشأ  وفي اعتقاده أن سوريا ملك له وليس  لأحد غيره الحق في حكمها. 
 ومن هذا المنطلق يرى أن كل تحرك ضده  هو محاولة لسلبه حقه وملكه، فيذود عنه  بيد من حديد .
***
 الطرقات الشعبية في سوريا هي حديث الساعة،وأساليب القمع التي تتصدى بها السلطة لهذه التحركات كانت سببا لنيل الثوار تعاطف
ودعم المجتمع الدولي إلا عددا قليل من الدول  المساندة للسلطة الحاكمة.
والحديث عن هؤلاء الداعمين لبشار الأسد الذين رفعوا الفيتو  ضد  التدخل العسكري في سوريا  يجرنا للحديث عن الحرب الباردة،حرب أغلب الظن 
أنها انطلقت في الستينات وانتهت مطلع التسعينات مع حل الإتحاد السوفياتي وتفككه وهذا حديث يؤرخه التاريخ .
لكن  الاحداث  اليوم تكذب التاريخ وتؤكد أن هذه الحرب مازالت مستمرة ومازالت تلقي بظلالها على العالم . 
فالقوى الدولية اليوم قسمين الأول يقف في  صف الولايات المتحدة الأمريكية والثاني في صف روسيا.ولا أحدى يقف في صف الشعب السوري .
والراجح أن هذه الحرب الباردة هي تمهيد لحرب أخرى  أكثر سخونة ستكون الشعوب هي ضحيتها الأولى مما لا شك فيه ، شعوب لم  تختر  المواجهة
بل تفرض عليها وتستخدم كوسيلة بيد الساسة.
فهذا العالم يعمره مليارات البشر ويقوده مئات الأشخاص  يتحكمون في مصير الشعوب. شعوب يحتال عليها بالإعلام وبالخطابات الحماسية المحركة لوطنية 
خطابات توهمهم بخطر يهدد أمنهم فلا يملكون إلا التصديق ويفرون أفواجا لتصدي لخطر وهمي لا وجود له   و هي ليست إلا  تصفية   حسابات بين الساسة فيضربون بعضهم
بعضا بالشعوب .


الشعب السوري اليوم هو ضحية لهذه الحرب فالفيتو المرفوع من روسيا والصين أسقط قرار مجلس الأمن بالتدخل العسكري وزاد في عدد وفايات الشعب السوري 
-ولي هنا تحفض حول النظام المعتمد في التصويت  فرفع فيتو واحد يسقط القرار ولو كان الأربعة البقية موافقون وهذا ضحك على الذقون و فمن غير المعقول أن يغلب رأي واحد على الأغلبية-
الذي لا يزال إلى اليوم يعاني ويلات الجيش النظامي الذي تفنن في تقتيل الشعب  الذي من المفترض أنه حاميه .

لكن هل يعتبر التدخل الأجنبي حلا للأزمة ؟

هذا هو السؤال الأهم والذي يجب أن يطرح،ثم اننا لو اردنا النظر في التاريخ و الإعتبار منه لقلنا أنه لا يمثل حلا .
العراق لا  تزال  تعاني إلى اليوم ويلات ما خلفه التدخل الأمريكي  حتى  بعد  إنسحاب قواتها .
أفغانستان كذلك عاد بها التدخل الأمريكي إلى القرون الوسطى ويلزمها  مئات  السنين حتى تستدرك ما فاتها من حضارة .
والتاريخ يشهد أيضا أن القوة الغربية تضمر معاداتا كبيرة  للشرق  والحركات الإستعمارية في بدايات القرن الماضي  خير دليل 
حيث أن السياسة الغربية تقوم على مبدء فرق تسد وهي إلى اليوم ذاهبة في هذا النهج إلى أبعد حد فبعد تقسيم دولة الخلافة  إلى دول 
هاهي اليوم تستهدف الدول  وتسعى  إلى ضربها من الداخل وتقسيمها وفق ما تدين به .
الجانب الكردي اليوم في العراق يطالب بالإستقلال والحرب  دائرة هناك بين السنة والشيعة وكذا الأمر بالسودان التي انقسمت إلى جزء شمالي 
وآخر جنوبي. وهاهي ليبيا تواجه اليوم مخاطر التقسيم .
وكل ما نخشاه على سوريا من التدخل الأجنبي اليوم هو هذا التقسيم والعودة بها  العصور  الوسطى وإصابة أطرافها حتى إن بحثت مستقبلا عن القيام  لن تجد سبيلا إليه . 
***

لكن هل نؤثر حب الوطن والأرض على حق السوريين في الحياة ؟
إن ضل المجتمع الدولي يقف موقف المشاهد للأحداث،سيستمر نزيف الشعب السوري ويستمر تقتيل الأبرياء بغير حق .
وإننا لو نظرنا إلى القضية من منضور إنساني لأوجبنا على المجتمع الدولي التدخل ولو عسكريا حقنا لدماء السوريين و لوضع حد لإنتهاكات
الجيش النظامي . لكن هؤلاء الساسة يؤثرون المصلحة على الإنسانية فأي تدخل  لهم سيكون بدفع المصلحة  لا بدافع الإنسانية .

أين العرب من القضية السورية ؟ 

سؤال مطروح  بشدة  ! هل إكتفى العرب بطرد السفراء وقطع طرق الإتصال مع النظام الأسدي ؟ مالفائدة التي جناها شعب سورية من هذا القرار !
حقيقتا لا فائدة ترجى  منهم  كعادتهم لم يخرجوا من دائرة التنديد وبشدة، قصارهم عقد إجتماع  لوزراء الخارجية تدعو له الجامعة العربية  لا ينتهي إلى شيء من القرارات.
ماذا لو تحدثنا عن تدخل عسكري عربي  في سوريا أليس هذا حلا  جذريا   يوقف  نزيف دماء الشعب ويبعث الطمأنينة  في قلوبنا على مستقبل سورية .
أو أن جنود العرب لا تجتمع إلا لقمع ثورات الخليج وحراسة العرش الملكي .

عموما  لا يزال الكلام في جعبتي  لكن حديثي عن العرب بعث في نفسي نوعا من العجز واليأس  حتى عن مواصلة الكتابة . اتمنى الفرج القريب لشعب سوريا 
ولحرائرها  وأسأل  الله أن يعجل بفرجه  .
والسلام 

السبت، 10 مارس 2012

متى تستقل عقول السلفية


من مزايا الله الكثيرة  على عباده والتي يعجز قلمي عن حصرها وذكرها في بضع سطور،مزية واضحة،أرى أنها جزء جوهري في الدين الإسلامي إذ أن  الدين  يكون علما يقينيا وعملا قلبيا بتفعيلها،ويكون تقليدا مكتسبا بتعطيلها، ويرفع تكليفه بزوالها .
تلك المزية هي العقل، الذي نوه به القرآن وأمر بالتعويل عليه في مسائل العقيدة والتكليف .
هذه المزية واضحة،يقل الخلاف فيها بين المسلمين لأنها تتأكد من تلاوة آيات القرآن الكريم.
و العقل البشري لم يعرف على مر التاريخ حضارة أو ديانا أعلت شأنه كالإسلام، على أن بعض الخلق من قبله فطنوا  لعظمة هذه الملكة ولكنهم أساؤوا توظيفها، فصوبوها  في غير مرمى وغالوا في استخدامها حتى جاوزا الحسيات إلى عالم ما وراء الطبيعة، وإنتهى الأمر بالكثير منهم إلى الإقرار  بقصور العقل،وإنتهى بهم القول منتهى قدماء مصر - محال على من يفنى أن يزيل النقاب الذي تنقب به من لا يفنى - وهذا على ما أرى تجني على العقل البشري حيث  أن ادخاله في مسائل ما وراء الطبيعة  إنحراف يؤرخ بالعصر اليوناني،إنحراف  إضطرب  الأمر بسببه إضطرابا لا يزال العالم يعاني الكثير من اثاره وسأبحث في غير مقال موضوع - المعرفة والعقل - .
***

القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم و التنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، وهذا التنبيه جاء في أكثر من موضع وليس هذا بغرض التكرار - ومتى كان التكرار غرضا -  بل هو تأكيد على ضرورة تحكيم العقل و في ذات الآن لوم لمن أهمل عقله وقبل الحجر عليه . 
قلت في ما سلف أن العقل جزء جوهري في الإسلام يكون الدين بتفعيلها علماء يقينيا وعملاء قلبيا، فيصبح تقليدا بتعطيل،ويرفع تكليفه بزواله.
ومن المسلمين اليوم من لا يتجاوز في تفسيره فهمه الحرفي لآيات الكتاب -النصيين- ومنهم من غال في إستخدام عقله -العقليين- وأبى إلا أن يخوض البحث العقلي في الإلاهيات. يمكن إعتبار هذا أمرا طبيعيا للمفكرين 
الذين نشؤوا في اقاليم لا يوجد فيها كتاب مقدس  ذلك أن الانسان بطبعه يحاول دائما معرفة العلل والأسباب، ويتشوف  إلى رؤية المجهول وإلى كشف عالم الغيب.
أما في البيئات التي فيها كتاب مقدس لا يشك إنسان في صحته فإنه من غير المعقول أن تنشأ  بجانب هذا النص اختراعات عقلية في ما وراء الطبيعة،ولست أمنع الخوض فيها -حتى لا أكون ممن يزكي الشيء تارة ويزكي  نقيضه تارة  فأرفع عن نفسي صفة التناقض- لكني أرى أن على كل من أراد الخوض في هذا أن يحتفض بما يتوصل إليه من بحث  وإن استحسنه لنفسه  و أن يستغفر الله ويكف إن حصل العكس ذلك أن ثمرة التفكير الإنساني عرضة للخطأ والخطأ في الذات الإلاهية أو الصفات الإلاهية أو في عالم الغيب على وجه العموم فيه خطورة كبيرة - منها زعزعة  طمأنينة  عوام المؤمنين المقلدين- .
***

ليس جوهر بحثنا هنا العقليين -عسى أن يكونو في مقال ثاني- بل اكتب ما اكتب
إلى الذين يميلون إلى إنكار كل ما يتجاوز حدود الشريعة في مضهرها الحرفي، اكتب إلى النصيين و أعني منهم السلفيين  وإن كان السلفيون أنفسهم ينقسمون إلى فرق ومذاهب  فالأمة الإسلامية مذ سقطت سقطتها الأولى وهي يوما عن يوم تزداد  تفرقا وشتاتا  وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم  حينما أخبر  أن الأمة ستنقسم إلى نيف وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وها أنا أتخبط  بين هذا ذاك باحثا عن الحق عسى أن أكون من الناجين. و المعلوم عندي الذي ييسر بحثي أن تاريخ العقائد يشهد أن كل فرقة  سادت فترة من الزمن وذاع صيتها ثم خفت نجمها ولم يبقى سوى  عدد يمكن تفصيله إلى ثلاث مدارس  كل أهل مدرسة فيهم  يعتقد  أن ما لديه خير ما أخرج للناس .

 كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ >

***
لو أردت تصنيف السلفية ضمن مراتب الإيمان التي حددها الإمام الغزالي لصنفتهم في المرتبة الأولى وهي الأدنى : إيمان العوام وهو إيمان التقليد المحض،أي دينهم دين تقليد  و سأشبه  تعصبهم لهذا الدين والذي يخيل لنا أنه تعصب  نابع عن حب بالتعصب الجاهلي .
قرأت الحديث المروي عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه  كل مولود يولد على الفطرة: فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، فقلت في نفسي أما السلفي فيأسلمانه، ويضل على ذاك الحال 
وتراه كالفارس المغوار الذي يبذل نفسه  فداء قريش وتعصبا لها  ولو ولد في غيرها  لصدر منه ذات الأمر وقتل قريش .
لم يتحرك في باطنهم شيء إلى حقيقة الفطرة الأصلية ولم يبذلوا جهدا في  تمييز الحق من العقائد العارضة من الباطل.واعتقادي فيهم،اعتقادي في الثقافة الكسبية التي يأتي فيها التأثر  -بالبيئة المحيطة- والتطور والتقليد ، والإسلام لا يقوم بأناس من هذا الوادي، بل بأناس أدركوا حقا حقيقة الإيمان ولذته،أناس يبذلون القيم والنفيس في سبيل الله حبا فيه لا مخافة عقابه.
العقل هو السبيل إلى إدراك الحق وتمييزه ولو وجدت في الأرض آلاف الفرق والمذاهب التي تزينت بثوب الحق  وانخدع بها الكثيرون و تهافتوا عليها تهافت الذباب على أشعة الضوء  إعتقادا بأنها الشمس  فخدعوا اعمال ملكة العقل هو السبيل إلى الحق.
قال سبحانه و تعالى : 
< قل لا يستوي الخبيث والطيب قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ >

< كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ >

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ >

يخاطب الإسلام بهذه الآيات العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأمور ويوازن بين الأضداد ويتبصر ويتدبر، إنه هو العقل الذي يقابله الجمود والعنت والضلال وليس بالعقل الذي قصاره من الإدراك أن يحفض ما يلقن .
وإن كان الجنون يسقط التكليف في جميع الأديان فإن الجمود والعنت غير مسقطين له ، وليس لأحد أن يعتذر بالجمود كما يعتذر للمجنون بجنونه .
لذالك على كل امريء  في هذه الأرض وعلى السلفية انفاذ أمر الله واعمال العقل، فإن كان الله قد وثق بالعقل وأكد في كتابه على اعماله فعلينا نحن أن نثق به . 


***

على المسلمين أن يعوا  أن المذاهب الفقهية في الإسلام لا تعدوا أن تكون أراءا  واجتهادات وثمرة تفكير بعض  رجال اختصوا  بالدين  وليس في الإسلام طائفة بعينها تسمى رجال دين  تختص بالشؤون الدينية. فديننا لا يعرف الكهانة ولا يتوسط فيه السدنة بين المخلوق والخالق،ولا يفرض على الإنسان قربانا يتقرب به من الله،وليس فيه من العباد من يملك حق التحليل والتحريم ،ليس في الإسلام وساطة بين الله وعبده  ولن يتجه الخطاب إذا إلا إلى عقل الإنسان الحر الطليق من أي سلطان أرضي .
لا كنيسة في الإسلام ولا هيكل .... فكل أرض مسجد وكل من في المسجد واقف بين يدي الله .

فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ  >


***

لكن رغم كل ما ذكرت لا يزال في الأرض من يقدس الأراء ومن يتعصب لشيوخ بعينهم  ومن يعتبر المذهب الشافعي دين، ومن يعتبر مذهب أبو  حنيفة دين... ودين الله هو الإسلام لا دين سواه ولم يبعث الله بعد محمد الأمين الصديق من نبي حتى نتبعه .
ومن السلفيين من ينتهج هذا  المنهج وفي إعتقاده  أنه المنهج الحق...علينا أعمال العقل والموازنة بين الأراء لنتبين  من قارب الصواب ومن أخطأ ومن أصاب ، قال تعالى :

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ >

ولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ> 

وهو خطاب إلى -اللب- العقل المدرك الفاهم 


***


موانع اعمال العقل !

 العمل بالعقل من أوامر الخالق، لا يعطله عن العمل إلا الحرص على مراعاة العرف الشائع  والإقتداء بالسلف  وإقتداء أثارهم -أرى أن اقتداء اثارهم في الجوانب الروحية و الأخلاقية  أمر لا بد منه  لما وصلوا إليه من صفاء روحي قارب الملائكية أما في الجوانب  الحياتية الأخرى فلا فائدة منه فالزمان غير الزمان-  والخوف من السلطة الدنيوية.
والإسلام يدعو إلى تخطي هذه الموانع والتحرر منها لكي يكسر العقل قيوده ويعوقه عائق من هذه العواص التي تأدي به إلى الشلل والجمود .

***

ومن البديهي أن ترافق دعوة اعمال العقل دعوة إلى العلم. الإقبال على كل المعارف وعلوم الحياة التي يدركها الإنسان بالبحث والتفكر  في خلق الله،قال تعالى :

أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمواتِ والأَرْضِ وَمَا خَلَقَ الله مِنْ شَيْءٍ>

فالتفكير وطلب العلم كالروح والجسد لا يفترقان إلا بعد الموت.

دهشت يوما من  صورة  ارا فيها مسلما  يرتدي حذاء صنع أمريكي  يدوس به على علم الولايات المتحدة الأمريكية،يقفز بكل عزم   حتى  يقارب السماء  ويدوس بكل حقد بضع متر من قماش كأنما يدوس رأس  جورج بوش  أو باراك اوباما !
ولو تفكر قليلا لوجد أنه عبد لهؤلاء وأن رأسه تحت اقدامهم.
ما ضر أمريكا من ذلك !؟
وبما نفع الاسلام !؟

هذا النفر من المتدينين عبء  على هذا الدين ومصاب الإسلام من الداخل قبل أن يكون من الخارج،مصابه من هؤلاء المهرجين المتنطعين .
اخدم دينك بعلم تكتسبه  يغنينا تسول علوم الغرب .
اخدم نفسك بحذاء تصنعه يغنينا التساول للغرب بحثا عما يستر عوراتنا .
وإن لم تستطع فإخدمه بأن تلازم بيتك و تتعبد  وتأدي ما عليك من زكاة وصيام وفرائض مكتوبة إلى أن توافيك المنية ولا تشوه صورة الإسلام والمسلمين بمثل تلكم الأفعال .

***

كتبت هذه الكلمات عسى أن تكون دافعا لأناس حتى يستقلوا بعقولهم  عما لقنوا من علم وعما تعصبوا  له  من فكر ،وعسى أن يعملوا عقولهم بعد طول تعطيل ويوازنوا  ويقارنوا  ويتبينوا الحق أينما كان 
فالحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها  وهي ليست حكرا علا الإمام مالك  أو أبو حنيفة أو أي إنسان.

الحمد لله والسلام 

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

الإسلام والعصر في كلمة





التمسك بالإسلام في هذا العصر تخلف ، والإحتكام إلى قوانينه رجعية، زادت دعوات الإحتكام إلى القوانين المعاصرة لا إلى التخيلات الماضي والأساطير الظلامية ....
كلها تهم نسبت للاسلام على غير وجه حق ،تهم ساهم الاعلام في الترويج لها وحرص أعداء الدين على تسريبها أينما حلوا..
اعلموا اخوتي أن الإسلام يعتبر أصغر الأديان عمرا من بين الديانات الموجودة على الأرض ،عمر المسيحية 2000 سنة فأيهما أولى بأن ينعت بالرجعي ،عمر اليهودية قرابة 
3500 سنة فأيهما أولى بنعت الظلامي ، أيعتبر تمسك غيرنا بدينه حداثة وتمسكنا بإسلامنا رجعية ! بإسم اليهودية تم لم شتات اليهود من كل أنحاء المعمورة لإقامة دولة إسرائيل على جثث اخواننا في فلسطين، أيعتبر احيائهم للديانة اليهودية حداثة واحيائنا لإسلام رجعية .
الدين جملة من العقائد والعبادات والأخلاق و المبادء التي لا دخل للتطور العصر فيها ، هل تحولت الفضائل ما قبل 1400 سنة اليوم إلى رذائل ،طبعا لا فهي قيم ما يصنع فيها تقدم الزمن شيء لكن للزمن دخل في وسائل تحقيق هذه القيم وإختيار هذه الوسائل أمر متروك لك ، العلم قيمة من القيم كيف تستكمل هذه القيمة ،يوجد ألف طريقة إختر منها ما شئت. الإسلام لم يضع قيودا على هذه الوسائل
يقول تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " ترك لك الحرية كاملة فالأسلحة تتطور و الوسائل كذلك ...
خلاصة القول أن للدين جانبان الأول لا دخل للعصر فيه والثاني لتطور الزمن دخل فيه لكن الإسلام لم يضع لهذا الجانب قيود بل منحنا الحرية الكاملة بل وحثنا على مزيد البحث والتطور .


الإسلام والعصر في كلمة




التمسك بالإسلام في هذا العصر تخلف ، والإحتكام إلى قوانينه رجعية، زادت دعوات الإحتكام إلى القوانين المعاصرة لا إلى التخيلات الماضي والأساطير الظلامية ....
كلها تهم نسبت للاسلام على غير وجه حق ،تهم ساهم الاعلام في الترويج لها وحرص أعداء الدين على تسريبها أينما حلوا..
اعلموا اخوتي أن الإسلام يعتبر أصغر الأديان عمرا من بين الديانات الموجودة على الأرض ،عمر المسيحية 2000 سنة فأيهما أولى بأن ينعت بالرجعي ،عمر اليهودية قرابة 6000 سنة فأيهما أولى بنعت الظلامي ، أيعتبر تمسك غيرنا بدينه حداثة وتمسكنا بإسلامنا رجعية ! بإسم اليهودية تم لم شتات اليهود من كل أنحاء المعمورة لإقامة دولة إسرائيل على جثث اخواننا في فلسطين، أيعتبر احيائهم للديانة اليهودية حداثة واحيائنا لإسلام رجعية .
الدين جملة من العقائد والعبادات والأخلاق و المبادء التي لا دخل للتطور العصر فيها ، هل تحولت الفضائل ما قبل 1400 سنة اليوم إلى رذائل ،طبعا لا فهي قيم ما يصنع فيها تقدم الزمن شيء لكن للزمن دخل في وسائل تحقيق هذه القيم وإختيار هذه الوسائل أمر متروك لك ، العلم قيمة من القيم كيف تستكمل هذه القيمة ،يوجد ألف طريقة إختر منها ما شئت. الإسلام لم يضع قيودا على هذه الوسائل
يقول تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " ترك لك الحرية كاملة فالأسلحة تتطور و الوسائل كذلك ...
خلاصة القول أن للدين جانبان الأول لا دخل للعصر فيه والثاني لتطور الزمن دخل فيه لكن الإسلام لم يضع لهذا الجانب قيود بل منحنا الحرية الكاملة بل وحثنا على مزيد البحث والتطور .

السبت، 3 ديسمبر 2011

إنتقال ديمقراطي بدون إنتقال أخلاقي ؟




هل ترجع هذه الأجواء العامة الرديئة إلى أننا لا نملك ساسة مخضرمين أمناء ، أم أننا لم نعتد الحرية فاستعصى علينا عيشها، أم ترى هل فعل بناء سماسرة الغرب فعلهم هذا ....؟
بعض الناس يتصور أن عجزنا عن الإنتقال  من طور الاستبداد إلى الديمقراطية و الدولة المدنية الراعية للحقوق والحريات  يعود إلى غياب السياسي الأمين، وتدخل المتغربنين، وأننا لو تخلصنا منهم والتجمعيين لتيسر لنا المسير . والتأمل اليسير يدل على أن هذا الفكر سقيم ، والواقع أننا مصابون بشلل عضوي في اجهزتنا الخلقية وملكاتنا النفسية يعوقنا عن الحراك الصحيح .

وقد راعني أن خلائق مقبوحة انتشرت بين الناس دون مبالاة حتى حولها الزمن إلى جزء من الحياة العامة وألفها الناس  واستساغها القاسي والداني ، ومن هنا رأينا الكذب في رواية الأخبار، ورأينا القدرة على قلب الحقائق حتى أن الكثير من صفحات الفايسبوك امتهنت هذه الحرفة.
حتى المدافعين عن الحق  هم نفسهم على هذا الطريق ،لا يتبعون الحكمة  في ردودهم فإذا رأو منكرا قابلوه بما يقول ويعمل  وهذا على غير مقتضى الحكمة  فإن أنت رددت الإساءة بالإساءة،متى ستنتهي الإساءة ! بل الحكمة في الرفق في القول والعمل واضهار الحق في شكل ينجذب نحوه أصحاب الفطر السليمة  لا في  شيوع القسوة والمبالغة .
جماهير تتفنن في حلق الشارب وإنماء اللحية وتحسب بذلك أنها استكملت عرى الإيمان بالوفاء للشكل،وهذا إعتقاد مغلوط  فتربية اللحية لا وزن لها مع إنعدام تربية النفس والعقل ومع فراغ القلب أو لعل  صرخاتهم  المدوية  المذهبة  لحبالهم الصوتية بالتكبير في الساحات العامة  ستدنيهم درجة  إلى الجنة  !
مؤسف هو الذي   حدث  اليوم بين  أبناء هذا الشعب  من تبادل  للشتائم والإتهامات ، مؤسف  هو  هذا الإنشقاق  الحاصل ، مؤسف حقا أن أرى  الأمن يفصل  بين المتظاهرين مخافة الإشتباك !  اليس  بإمكاننا  أن نتعايش رغم اختلافاتنا  الاديولوجية والفكرية ! 
لم لا نخاطب العقول  بدل  تجريح وتشويه الخصوم ! علماني  شيوعي إسلامي  سلفي  كائنا من كنت  لا تعادي  من خالفك  ، حاوره ناقشه
خاطب عقله وحافض العلاقة  الطيبة التي  تجمعكم  وحتى إن قابلك  بالسوء فلا تجاريه  في هذا  وإن فعلت  فأنت ومن تجاريه سواء .

الأربعاء، 18 مايو 2011

الديمقراطية

 (الديمقراطية) ~ ذلك المُصطلح الذي أثارَ من الجَدل و الصرَاع منذ فَجر النهضة مَا لم يثره مصطَلح آخر.. حَتى غدَت ثُنائية الديمقراطية و الإسلام أكثر الثنائيات تداولاً, و أكثرها طرحًا كَمَواضيع للنقاش حتى استحال عَلينا تجَاهلها أو تناسيها { لذلك ستكون مَوضوعنا للحوار}.
لقَد تَعَددت الآراء و اختلَفت, وتشَبثَ كُل طَرف برأيه و مُسلماته مُدعيًََا  امتلاك الحَقيقة...ورَاحَ كل فِريق فرحًا بما عنده,رافِضا للآخر سَاعيا لإسكاته أو نفي كَلامه .
       فما جدوى الحوار إذا ؟!                                                                                                                 
لست هنا لأدَعِي أيضا امتلاك الحقيقة أو احتكارها, فقط أردت طرح رأي شخصي لا أُلِزم به أحَدا و لا أدعي صَوابه فاتحًا بَابَ الحِوار و النِقاش لِمن أَراد. حِوار خالٍِ من السَفسَطة و التعصب للرأي و تجهيل الآخر.
متي سيكف الإسلامي عن التملق للآخر و التنكر لِتُراثه, هل سينتهي من تقليده الأعمى و يمسَح عن  وجهه نظرَة الانبهارِِِِِ بالغرب تلك,كيفَ يتحرَرُ من تبعيته الفكرية للغرب و يَبتَدِعَ أفكارًا يَكونُ مَرجِعُها الإسلام لا مَاركس و لينين و غيرهم ممن ذاع صيتهم بالعالم الإسلامي.
إن الإسلام دين حَي يُحَاول المُتمَسِكُونَ به أن يَعِيشوه في حَياتِهم العَامة ثقافة ونظمًا ومؤسَسَات, يَعيشوه في حَياتِهم الفكرية دعوة إليه و دِفَاعًا عَنه و ردًا على خصومه, لذلك حَاولتُ جاهدًا أن أشاِرك في المجال الأخير بعدة مقالات قصيرة نشرتها سَابقا و لا أعلَم إن كنت أصَبت فيها.
 أتوجه بالشكر للعَدد من القراء (وهم قلة) ممن عبروا لي عن تقديرهم و شجَعوني على المضي قدما في كتابتها و أخص بالذكر أمي سعيدة و أماني , أنا شاكر لهم في الأولى و الآخرة سائلا الله أن يجزيهم عني خيرا و عن كل من قرأ تلك المقالات أومن سيقرؤها.
أجتهد و أكتب هذا المقال بعقل مسلم يأبَى أن يكون للإسلام بديل و مؤمن بأن كل ما أمَر به الإسلام هو العدل الذي يصلح للناس  في كل مكان و زمان .
* * *
مُغالًطة: كُلَمَا ذُكِرَ مُصطَلَحُ الدِيمُقراطية إلا و تَبَادرَ إلى الأذهَان المَفهُوم السَائِد والذي يَتبَادله الناس على أنه صَوابٌ لا يحتمل الخطأ,  تعبير الديمقراطية مُرادِف لِحُكم الشعب وهذا (في نظري) خَطأ لا يَحتمِلُ الصَوَاب,
مَتى كَانَ الشعبُ حَاكِمًا !
من سُننِ الحَياة أن يَكُونَ هُناكَ رَاع و رَعية, رَاع تَتَوفرُ فيه الشروط و الخِصَال التي تُمَكنه مِن أن يُديرَ شُؤونَ رَعيته و يَحمِي مَصَالِحَهَا, هذا قانون سنَّهُ خالِقُ هذا الكَون تَسِير بمُوجبه الحَيَاة و تُصَان المَصَالِح, سَارِ المَفعُول على الإنسَان والحَيوان على حَد السَواء. مَملكَة الغَاب ذلك العَالم العَجيب الذي تُحَركُه الغرَائز يَسِير بنفسِ القانون فعَلَى رَأسِ كُل زُمرَةِ أُسُودٍ قَاِئد وعلى رَأسِ كُل قطيع جَوا ميس قائد َو لا مكان للسلطة مدى الحياة حيث البقاء للأقوى و القوة هي خصلة كل  قائد. من رحمة الله على عباده أن منحهم القدرة على اختيار الأصلح من بينهم و توليته أمورهم دون أن يراق دم و دون صراعات كالتي يشهدها عالم الغاب .
من الغَرِيب حَقًا أن يَنسَاقَ النَاسُ خَلفَ الديمُقرَاطية المُنادِية بحُكمِ الشعب ويُعَارِضوا السِيَاسَة الإلهية التي لا يَستَغني عَنها لا الرَاعِي وَ لا الرَعِية وَالتي تَرَكَت لَنَا حُرية اختيار وَلِّي أمرِنا و مُشاورَته و حتى مُعَارَضته مَتى زَلت قَدَمَاه عَن الطَرِيق الصَواب.
إنه لَمِنَ المُؤسِفِ أَن تَكُونَ كَلِمَةُ الدِيمُقرَاطية المُرَادِفة لِسِيادَة الشَعب أو حُكمِ الشعب غَايَة فِي الخطورَة. فَكُل فَردٍِ من  الشعب يَعلَمُ عِلمَ اليقين أنَهُ لا يَحكُم, ويَتَولَدُ بذلك لَدَيه انطِبَاع بأن الديمُقرَاطية لَيسَت إلا نِظامًا للاحتيال. واِنَه لَأمر هَام أن يَتَعَلَمَ الفَردُ مُنذُ مَرَاحِل تَكوينه الأولى أن لَفظ “ديمقراطية” هو الكَلِمَة التي نُطلِقُهَا على النِظَام الذي يَنبَغِي عَلَيه مَنعُ الدِيكتاتورية والاستبداد.
* * *
الدِيكتُاتُورِيَة و الاستِبدَاد  هُمَا أَسوَءُ مَا يُمكِنُ أَن يَعيشهُ الفَرد,تَحتَ لِوَائِهِمَا تَختَفِي الحُرِيَات  و تََتبخر إرَادَة الفرد و الشعوب و يُهَانُ المُوَاطِن و تدَاسُ كَرَامَتهُ و تُصبِحُ كَلِمة “ لا ” من المَحظورَات.
يَنهَضُ الفِرعَونُ من تَابُوتِه و يَجلِسُ على هَرَمِ السُلطَة و يَنطلِق العَمَل بالأسلوب الإداِري الفِرعَونِي “ لا أُرِيكم إلا مَا أرَى و مَا أَهدِيكم إلا سَبيل الرَشادِ ”  حَيث لا يَتحَرَك الشعبُ إلا وِفقَ رُؤيته ومَا صَواب إلا مَا  يَرَاه هو صَواب, نَمَط مُتسَلِط يتَصِفُ بالغطرَسَة والغرور والكِبريَاء وَيل للشعوب منه .
كَانت الديكتاتورية مُشكِلة البَشرِية مُنذ الأزل (و لا تزال) و تَجَنبهَا هَدَف لم نَطَله إلى اليوم, و كَانت الديمقرَاطية حلاًّ مِن الحُلول التي طُرِحَت كي تَعيد للشعوب هيبتها لكن هل نَجَحَت فِي ذلك “ ؟ ” ذلك هو السؤال الأهم .
يمكننا أن نَثبت تارِيخيًا أن الديمقراطية لم تكن تمثل سِيَادَة الشعُوب وحُكمَهَا بقدر مَا كانَت مُحَاوَلة لِتجَنب الديكتاتورية و الاستبداد بأي ثمن.لكن ثمَنَهَا كَانَ غاليًا جدًا, إذ في العَدِيد من المُناسَبَات صَنعَت لَنَا الديمقراطية فرَاعِنة حَكَمُوا العالم و أذاقوا الشعوب سنين من الجَمر.

هل في ترك الحُرية للشعب في اختيار الحَاكِم ضَمَانٌٌ لِتَجَنب الاستبداد ؟

إننا معرضون للخطأ, و هذا يعني أن الشعب أيضا معرض لارتكاب الأخطاء شأنه شأن أي جماعة بشرية.لكن إن كنا نبحث فقط عن كيفية خلع أو عزل أي حاكم مستبد لن أجد طريقة أفضل من الديمقراطية لذلك, لكن إن كنا نبحث عن كيفية بناء دولة و إقامة نظام عادل يكفل لكل فرد حقوقه فلن أجد أفضل من الإسلام لذلك.
* * *
ما يمكن أن نرجوه من الديمقراطية في أقصى الحالات هو تمكين الشعوب من عزل أو خلع الحاكم متى رأت منه سوءا باعتبارها آلية لضمان انتقال السلطة و التداول عليها دون إراقة للدماء, لكن مسألة تجنيبنا الاستبداد و الدكتاتورية تظل مسألة نسبية, أدولف هتلر ديكتاتور غير خريطة العالم و أباد شعوبا وصل للحكم بانتخابات ديمقراطية و بطريقة شرعية, بالتالي يصبح الجزم بعصمة الشعوب وهمًا لا أساس له  فرأي الأغلبية ليس دائما بالرأي المستنير.

هل ~ صواب الحكم ~ هو دائما في جانب الأغلبية ؟

دائما ما نتشدق بالمقولة الشهيرة نحن مع الأغلبية و نستشهد بأن رأيهم هو الصواب أو الأصوب, لكن هذا ليس بمعيار لتقرير الصواب من الخطأ فالله سبحانه و تعالى قال :
~ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينََ.سورة يوسف

و قال سبحانه و تعالى: 
 ~ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ.سورة المائدة

و أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم في حديث السواد قال : ~ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ.رواه مسلم ~ .

في الحديث نرى أن الأكثرية لطالما خالفت الحق وعادت الأنبياء فيأتي الأنبياء يوم القيامة و معهم رجل أو رجلان و البقية ضالة.الكثرة ليست معيارا فقول الأغلبية لا يعني بالضرورة أنه الحق  لكن إن كانت هذه الأغلبية على قدر من الحكمة التي تمكنها من التمييز بين الخطأ و الصواب فعندها بمكن الوقوف على رأيهم, أي متى كانت هذه الأكثرية تتميز بصفات مشتركة تؤهلها للرأي كما نجد في كتب الفقه قولهم " و هذا رأي أغلب الفقهاء "  فهؤلاء اعتبرنا رأيهم لأنهم فقهاء أولا وأغلبية ثانيا ....لا أغلبية فقط .
* * *
المحكمة الشعبية: هو التعريف الأصح للديمقراطية فيوم يتجه الناس إلى صناديق الاقتراع تفتح جلسة محاكمة الحكومة, فيوم الاقتراع أو الانتخاب ليس يوما لتزكية الحكومة الجديدة بقدر ما هو يوم لتقييم أداء القديمة و اختيار إما المواصلة معها أو عزلها.
أما حكم الشعب لنفسه فهو أمر غير وارد فكما قلت فيما سبق أن كل فرد منا يعلم أنه لا يحكم ثم إن الحكم ينقسم إلى قسمان أحدهما تنفيذي و آخر تشريعي فبأيهما يحكم الشعب « ؟ « هل من الممكن أن يحتل الشعب منصب قائد للجيش أو أمين شرطة أو مشرع... 

إذا من الذي ينبغي أن يتولى مهام الحكم ؟

هذا هو السؤال الأساسي أما الحديث عن حكم الشعب لذاته فهو مضيعة للوقت, و كإجابة على هذا السؤال أرى أن يكون أفضل غيره و أكثرهم معرفة فلمؤهلات البشر تختلف من شخص لآخر فهل يستوي العالم و الجاهل ! 

قال تعالى : ~ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ~ .

إن الحكم استحقاق يناله الأفضل و يستعمل له الأصلح  و نختار له الأمثل فالأمثل  .

* * *
في أيامنا هذه لازال سؤال " من الذي ينبغي أن يتولى مهام الحكم " حاضرا بقوة.فقد حظي باهتمام كبير داخل مجتمعنا   خوفا من صعود دكتاتور جديد و إقامة دولة الديكتاتورية و هذا سؤال يحظى أيضا باهتمام كبير داخل نظرية الديمقراطية,و قد شكل مبدأ حكم الشعب لذاته جوابا ممكنا على هذا السؤال , و مع هذا تظل هذه الإجابة شديدة الخطورة فديكتاتورية الأغلبية أخطر من دكتاتورية الفرد و قد تكون فضيعة بالنسبة للأقلية حيث أنن رأي الأغلبية كما بينت فيما سبق لا يكون دائما الرأي الصواب...لذلك أرى من الصواب تبديل السؤال و إعادة صياغته على النحو التالي:

كيف نتصور تنظيما للدولة قائم على العدل و الحرية و يجنبنا الديكتاتورية ؟

فهذا سؤال يبحث كيفية إقامة حكومة لا كيفية عزلها و خلعها,فإن كنا نبحث فقط عن كيفية خلع أو عزل أي حاكم مستبد لن أجد طريقة أفضل من الديمقراطية لذلك لاعتبارها الأسوأ لا الأكثر سوء, لكن إن كنا نبحث عن كيفية بناء دولة و إقامة نظام عادل يكفل لكل فرد حقوقه فلن أجد أفضل من الإسلام لذلك.
* * *
ختاما سلام  عليكم  و إن شاء الله سأواصل في نفس الموضوع بمقال ثاني